فوضى مكتب العيادة
الاسبوع الرابع
اجمل مافي هذا الأسبوع انه واخيرا وبطريقة غير متوقعة وافق قسمنا على اوراق متدربة جديدة، درست في نفس الجامعة التي تخرجت منها وتسكن في نفس محافظتي التي لا يوجد بها الا قسم صحة نفسية وحيد هوا الذي اتدرب فيه. يالصدفة .. لم اتوقع ان تكون لي رفيقة ابدا واعتقدت اني سأضل في الستة اشهر القادمة اتدرب وحدي.. فتاة رقيقة هادئة ذكّرني توترها بأول ايام تدريبي التي مرت كالمعجزة، وبعد ان تعرفنا على بعضنا قليلا واستلمنا المهام الجديدة للتدريب من رئيس القسم بدأت المغامرات، في البداية كان الوضع هادئا ثم انهالت المواقف المضحكة والمحرجة التي قد لا يسعني المكان هنا لذكرها ولكنها اتت بالكثير من المرح لقلبي الذي تحرك بهدوء شديد في الثلاث اسابيع الماضية، اكتشفت ان الرفقه قد تجعل اصعب الاشياء ممتعة وممكنة، والخجل الكالح الذي كنت انغمس فيه يزول بسلام وبتدرج واضح مع الايام ..
رئينا الكثير من الحالات التي طالما قرأت عنها في الكتب ولم استطع ان اتخيل قوتها .. وتعلمنا الكثير عن الادوية التي مهما بحثت عنها لن استوعب قوتها ومقدرتها كما فهمتها من الطريقة التي شُرحت لي.
اصطحبنا رئيس القسم لغرف التنويم لنرى جولته اليومية على مرضاه وكنا نركض خلفه بخواطتنا الصغيرة بطريقة مضحكة لنستطيع اللحاق به وشاهدت للمرة الاولى حالة الزهايمر متقدمة وكيف تعامل معاها الطبيب وكيف شرح لنا الوضع بصورة غريبة .. مشاعر فرح بالتعلم ولكنها مشوهة بمشاعر تألم لحال المريضة التي اراها تتمدد امامي بتوهان غريب.
كان في اخر الاسبوع موضوع طُلب منا مناقشته وفي الصباح اتيت وملئ جوفي معلومات وفهم كامل للموضوع المخصص لي ولكن رأيت الغرفة تمتلئ بمنسوبي القسم والاخصائيين والطبيب المسؤل وشعرت بقلبي يقفز من التوتر الذي لم افهمه ابدا حتى وانا اكتب هذة التدوينة بعد ايام .. جميعهم اشخاص اعتدت عليهم كثيرا في الفترة الماضية بل وشعرت بحب شديد للأخصائيتين اللتين تدرباني وباحترام هائل لرئيس القسم الذي يعلمنا المعلومة الصغيرة قبل الكبيرة بكل اتقان، ويبذل مجهود لم يطلب منه اصلا في توجيهنا .. لماذا اذا هذا التوتر المضحك؟ وبالفعل اتى التوتر بثمارة من الربكة ونسيان المعلومات بل وحتى عدم تسلسلها وترتيبها. حسنا كأول مرة أُناقش موضوعا في هذا الجو العملي البحت اعتقد اني اديت جيدا ولكن ليس كما تمنيت .. لكني مازلت فخورة بالتجربة الاولى حتى وان كانت كارثة مضحكة، فهي ستجعل المرات القادمة افضل بالتأكيد.
وانتهى الشهر الاول من فترة تدريبي .. كان اسبوعا محموما بحق ومليئ بالأنشطة التي ستزيد خبرتي ولكن ضريبتها سرقة الوقت .. الكثير من الوقت. ذهبنا لمركز الكلى لدراسة حال المرضى الذين يأتون لعمل الغسيل الدوري، والتحدث معهم ومحاولة التخفيف بقدر مانسطيع حتى وان كان بكلمة تشجيع او تخفيف. وقمت بالكثير من الخطط العلاجية مع الأخصائيتين وشرح الكثير من النظريات وتطبيقها على الواقع. تعرفت على شخصيات مختلفة للبشر قد يبدو بعضها غريبا جدا علي للدرجة التي قد يفتح فمي بذهول من تصرفاتها. وضحكت وضحك قلبي بقوة من بعض المواقف والطرائف وحتى التي حدثت مع الاخصائيين واطباء قسمي.
في هذا الشهر انا ممتنة لأنني استطعت ان اعلم في عمري هذا ماهو الشيئ الذي يجعلني سعيدة .. وان اختار مجال دراسة وعمل يجعلني مُلهَمة طوال الوقت ويجعل قلبي يدق بسعادة وامل للغد.. انا حقا ممتنة لكل شخص في حياتي الان .. لكل خطأ ارتكبته ولكل شخص دخل حياتي وحتى ولو بالألم.. انا ممتنة لله لانه جعلني اصل لهذا الشهر الذي مر وانتهى وترك خلفه الكثير من الابواب التي فُتحت ولم اكن اعلم بوجودها .. انا ممتنة لله وشاكرة لكل قطرة دم جرت في عروقي وساعدت عقلي على ان يرى ويفهم ما رأيته وفهمته في هذا الشهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق