الخميس، 23 يونيو 2016

التغيير حياة

Vladimir Volegov

السابع عشر من رمضان ..

منذ سنوات إشترى والدي فيلم Dinosaur إنتاج ديزني سنة 2000. وكان والداي يُشاهدانه بأنبهار وإعجاب شديدين.. أعجبني الفيلم أيضاً وأعدتُ مشاهدته مراتِ ومرات وضلّت صورُهُ وإتقان تنفِيذه في مخيلتي طويلاً، لكن مازال هناك شيئ مفقود، ولم أعتبرُهُ فيلم العصر بالطبع، كان لدي أفلام أفضل في رأيي.. 

قبل يومين أقتنيته مرة أُخرى فقد ضاعت النسخة القديمة منذ سنوات. ويا إلاهي، لقد فاجئني فِهمي لأحداث الفيلم وكأني أراه للمرة الأولى .. كان هذا غريباً. 
كيف لفيلم بهذة الفلسفة العميقة كُنت أضعه وسط مكتبة ضخمة من أفلام الكرتون المحببة إلى قلبي عندما كُنت طفلة ..
مازلتُ أُعيد مشاهدة بعض الأفلام والمسلسلات الكرتونية التي أحببتها في صِغري، وكنت أُفاجئ من عُمقها والمعاني الجميلة التي فيها، وأعلم لما سمحت لنا أمي بمشاهدتها، في وقت كان للتلفاز في بيتنا غُرفة خاصة به تُفتح فقط عندما يُسمح لنا بمشاهدته.

عندما كُنت أصغر عُمراً، كانت لدي الكثير من القرارات والعلاقات التي أقتنعتُ 100% أنها رائعة وقوية وستدوم للأبد.. كنت أثق أن خِبرتي وعمري وقتها يسمحان لي بهكذا قراراتٍ حاسِمة قد تؤثِرُ على حياتي كُلها ..
بمجرد تخطي العشرين ينقلب عقلُك رأساً على عقِب .. كل أُمنياتك تأخُذ مجرى مُختلِف تماماً.. بل حتى بعضُها تُصبِحُ مُضحِكةً وسخيفة وتذكُرها لاحِقاً وتستغرِبُ كيف كنت تتصرف بكل هذة الجديّة حول هذا الأمر التافة أو البسيط .
أولوياتُنا تتغيّر .. في العلاقات والنشاطات وحتى في الأشياء الصغيرة العابرة، دائما ما تتغير.. 
الشيئ الوحيد الذي سيستمر معك وينجح هو المزروع بالقيم العُليا التي غذتها فِطرتُك دون أن تُلاحظ.
أي هدف أو عِلاقة بِها رغبات دنيوية أو جسديّة أو مادية بحتة لا بُدّ أن تُخفِق، وإن لم يقترن بها قيمٌ عُليا ستنتهي فوراً.. قانون الله في الكون. وإن لم تنتهي من قلبِكَ فستنتهي من قلب الطرف الأخر، لأنهُ هدفٌ بدأ بطريقة خاطِئة، وتلوّث بالمشاعِر الدُنيا وحُرِم الإرتواء من المشاعر العُليا السماويّة السامية.
قد نأخُذ سنوات وربما عُمرنا كله لنكتشِف هذا القانون رغم أننا نراه دائما، لكننا لا نُصدِقه.. ونقع دوما في الخطأ نفسه مِراراً وتكراراً.
الوعي طريق نمشي فيه بخطواتِ طفلٍ يُحاول الإتزان على قدميه ولم يتعلم المشي بعد. الوعي هبة لا تُمنح للجميع إلا من إختار حقاً أن تُمنح له.

قد تكونون أنتم "أنتم" في أشياءٍ كثيرة، لكِنكُم تتغيرون عبر السنواتِ بإدراكٍ أو بِدون إدراك..
فأنا مازِلتُ أُحب الفراشات كما كُنت في مُراهقتي، مازلت أهوى قِراءة الكُتب، مازلت أُحب التخصص الذي إخترتُ أن أدرِسهُ وأُمارِسهُ في حياتي، وأُحب الشِتاء وأهرُب من الصيف كلما أستطعت .. لكني أيضا تغيّرتُ كثيراً، عقلي لم يعد كما كان، أفكاري لم تعد تستريح في نفس القالب الذي وضِع لي في صِغري، أصبحت أكثر تمرُداً وتنكُراً لكل ماحولي تقريباً.. 
كل التراهات التي كِبرتُ وأنا أستمع إليها لم تعُد تعنيني، كُلّ العِلاقاتِ التي إستنفذتني ودّعتُها، ليس تكبُراً ولا إستصغاراً لأحد، ولا عيباً فيهم، فانا أُريد التحليق وليس إثقالَ أجنِحتي بِصفاتِ المحرومين من الجنة.. لكن "نفسي" تأبى التصُنع، لا أستطيعُ إرتداء قِناعاً يُغيّرُني.
لا تستطيعون الكذب على أنفُسِكم والتظاهُرٍ بشيئٍ ليس في قُلُوبِكم وإلا تنقلِبُ حياتُكم إلى جحيم دامي. وأُقسِم لكُم أن أكثر من ثلاثةِ أرباع روادِ عيادات العِلاج النفسي هم أشخاص تجاهلو حقيقتِهم وتماشو مع تياراتٍ لا تُشبِههم، وأرتدو أقنعةً تُخفي وجوههم الحقيقة.. ليس خُبثاً مِنهم بل رُبما جهلٌ بحقوقِهم، وإرضاءً للناس كما علمهم أبائهم لا أكثر.. 
كانو يتصنعون مشاعِراً لا يعنوها، ويستمرون في علاقاتٍ لا يرغبون بها، وفي أعمالاٍ لا يُحبونها، وتبني أفكاراً يعلمون في داخِلهم أنها خاطئة. فأنقلبت أنفُسُهم ضِدهم ومرضت من كثرةِ الضغط عليها..
شخصياً لا أستطيع فعل ذلك حتى لو حاولت .. أن أُظهر شيئً ليس في قلبي ولا أُمِن بِه يقتُلُني..

إذا واجهتم عِلاقةً تتشقق وأردتم الحِفاظ عليها فانظرو في صدورِكُم، وغيّرو نواياكُم، وإقلِبو عقولكم رأساً على عقب، وجددو كل أفكاركم القديمة. 
إذا أرتم الإستمرار في طريق فتعلمو أبجدية الكون من نُقطةِ الصِفر، وتخلو تماماً عن أفكارِكُم القديمة فهي متهالِكة ومريضة وتدفعكم للهاوية بسَقَمِها.
أما مُمتصو الطاقة الذين تتعرضون لهم كل يوم، أصدقاء، عمل، وحتى المدينة، غيرو عقولكم تجاه هذة الأشياء وحاوِلو التخلص منها إن أستطعتم .. لا تركضو هرباً من الشخص ذو الطاقة السلبية، ولكن تجاهلوه، نفسياً وفكرياً.
ستُقابِلون الكثير من الأشخاص الذين لا يستطيعون الإستيعاب أنكم تغيرتم، ومشاعِرُكم وعقولكم إختلفت عن ما كانت عليه من قبل. هناك أشخاص يعتقدون أن أحِبائِهم ملكٌ لهم، حتى وإن أنتهت علاقتُهم، يعيشون على وهم، يُحاولون التشبُثِ بالماضي بكل قوّة طلباً في إحياءِ ما مات. لكن الماضي عَبَر وأنتهى.

كونو أقوياء أنتم أيضا في تخطي الماضي. لا شيئ دائم.. والتعلُق مرض يُحاربه الدين والعِلم، وحتى السواء النفسي لا يقبله. 
التشبُث بِعلاقة ماضية، أو شخصٍ مضى، أو مكانٍ تُرك لأي سبب لن يزيدَ حياتُكم إلا بؤساً. وكل من أُحاول علاجهم الأن هم أشخاص يُعانون من التعلق أياً كان نوعه، لكنهم أقوياء وذو عزيمة رائعة تجعل قلبي يُرفرف، وأتو لطلب المُساعدة لتخليص حياتهم منه وتحرير أرواحِهم.
الحُرية لاتُقدر بثمن، وأكثر الأشياء التي نتعلقُ بها ماهي إلا وهم، لكننا لا نرى الصورة الحقيقية لها.

الان بعد أربعة عشر عاماً من المُشاهدة الأولى لفيلم "الديناصورات"، أُدركت أن اليوم الذي يمضي يترك فينا اثراً لا نعلمه إلا بعد سنين وسنين. وأننا نتغيّر وقلوبنا تتغير..
أربعة عشر عاماً لتعُلم الدرس. لكنه درس يستحق كل تلك السنوات.

هناك تعليق واحد:

  1. التعلق مرض لايقبله.العلم ولا الدين

    صدقتي

    ردحذف