لقطة للمصور Ben brown
الشهريين الماضيين أمضيت كل أوقات فراغي الصغيرة أُخطط لرحلتي العائلية هذا الصيف، أردت كتابة تدوية عنها، فما الذي قد يتفوق على السفر في صناعة الذكريات والتجارب والمشاعر الجديدة ؟
اتذكر أول رحلة دولية سافرت فيها بمفردي بدون أي مرافق. كانت رحلة مخيفة وممتعة وساحرة. نوع من الحرية التي لا يطولها من يسافر مع أسرته دائما، _ لست اقول أن الرحلات العائليّة سيئة بالطبع_.
حصلت على رحلتي الفردية الأولى في الثامنة عشرة من عمري، أعتقد انه عمر جيد .. حدثت في هذة الرحلة الكثير من المواقف المُضحِكة، أتذكّر السيدة التي جلست بجانبي وطفلها ذو السِتة أشهر وكيف شجعتني على تناول طعام الطائِرة الذي لا أُطِيقُه، فقط بِنُكاتِها ونغمة صوتِها المُرتفعة التي جعلت كُلّ سُكّان المقاعد المُجاورة يلتفِتُون إلينا أكثر من مجلاّتِهم.
كانت تضع الكثير من مساحيق التجميل وتتنفس بِصُعوبة بسبب ثِقل طفلها النائم على حِجرِها طِوال الرحلة، حدثتني عن جَامِعتها ورُهاب أخوات زوجها من القِطط، والأفلام التي تُحِبها، بل وحتى كُره زوجها العجيب لِكُل أنواع الجُبن، أعتقد أني عرفت تفاصيل عن حياتها أكثر مما ينبغي في رحلة من سويعات. لكِني أكتشفت أن الثرثرة قد تكون أحياناً مُشتِت رائع لِكُلّ أعراض السفر الصِحيّة والدوار والغثيان وحتى الصداع، لا أعرف في الحقيقة كيف للتحدث طويلاً ان ينسيك الصُداع ولكنني إختبرتُه في هذة الرحلة مع هذة السيدة. كانت لطيفة وجريئة وغريبة الأطوار، لكنها إستطاعت ان تحفر لنفسها في ذاكرتي جُزء صغيراّ أتذكره الى اليوم رُغم نسياني لإسمها.
هذة السنة سأُسافر مع أخوتي وأُمي، وأول كلمة تخطر في ذهني حين أتذكر السفر مع عائلتي هي: يا إلاهي .. الكثير من الحقائب.
أجل أعتقد أن عائلتي تأخذ المنزل بأكمله حين تُسافر، أما انا فأحاول التخفف قدر المستطاع واكتفي بحقيبة واحِدة إذا كانت الرحلة سياحية، أما إذا كانت دولية وستستمِرُ طوال الصيف وسأزور فيها بيتنا الذي كلما تركت فيه ملابسي وعدت بعد أعوام لأجدني كبرتُ عليها وقد تآكلت من مرور مواسم السنة عليها، فابتأكِيد أُمدّد أمتعتي لحقيبتين. ولكن كُلما وزنّا الحقائب وتأكدنا انها لا تتخطى الوزن المسموح به في التذكرة نشعر بضوء الأمان لنزيد ملئ الحقيبة حتى أننا قد نجلس عليها مُقهقين ليلة السفر حتى تنغلق.
مايُفسد مُتعتي بالسفر هو الإعياء الذي يُلازمني مُنذ صِغري كُلما صعدت الى الطائرة، فقد سببت لوالدتي الكثير من المتاعب دائما وكانت تواجِهُهَا بِحُب وهدوء غريبين، أتذكرها مرة تخفي خصري بشالها حتى لا يكتشف المضيف أني لا أربط حزام الأمان قبل فترة الإقلاع، الذي تُسبب برودة مشبكه المعدني زيادة الوضع سوءاً لمعدتي ..
كنت أستغرب المسافرين الذين يأكلون بشهية وينامون كأنهم على أسرتهم الخاصة، عندما بحثت عن هذة الأعراض الغريبة والتي تتكرر كل رحلة ولا أعتاد عليها ابداً وجدته يعرف بـ Motion sickness او دِوار الحركة.
وهو ببساطة الشعور بإختلال التوازن بسبب إستلام الجهاز العصبي رسائل مُتناقضة من العين والأُذن والعضلات. فالعينين تُرسل إشارات أن الجسد ثابت، بعكس العضلات التي تشعُر بإهتزاز المقعد الذي تجلس عليه، أما الأُذن الداخلية تُلاحظ الدوران والإلتفاف الذي يحدث في المركبة فيضطرِب الجسد بأكمله ويبدأ الصِراع.
ليس الجميع حساسين لهذا ولكن بالطبع لست منهم للأسف.
لا أُحب أن يتحكم بي شيئ مهما كانت قوّته، لذلك جربتُ الكثير من الخدع حتى أجعل جسدي يستقر ولاتفسد مُتعتي بالرحلة، رغم قلقي ..
سأكتب لكم بعض من النقاط التي خففت عليّ الكثير من إعياء السفر:
* إستمعو دائماً لمقطوعات هادئة لأي شيئ مُضّل لديكم، وتجنبو الأغاني الصاخبة والمقاطع الصوتية العالية، الأصوات الهادئة تنقل لكم الهدوء وتُخفف التوتر.
* إذا كان الدوار يتركز في معدتكم فتجنبو الأطعمة تماماً قبل الرحلة بـ 6 ساعات على الأقل، شخصياً وصل بي الأمر الى الصيام ليلتها، وقد أتى ثِماره.
* إجلسو في مكان قريب من البوابة التي سيُطلب مِنكُم عبورها لطائِرتكم، بهذا تتجنبو الكثير من التوتر والجري ونسيان الأغراض الصغيرة، وسيمنحُكُم هذا الأمان بألا تتأخرو على رحلتكم.
* عندما تبدأ الطائرة بالتحرُك أغلقو أعينكُم بهدوء لتمنعوها من إرسال إشارات للجهاز العصبي، بالنسبة لي أُغلقها فور بدأ الإرتفاع عن الأرض لعشر دقائق مثلاً، او حتى تثبُت سرعتُها في الجوّ. رُغم حبي الشديد لمُشاهدة لحظات إقلاعها والمباني والطائِرات الأُخرى تصغر شيئاً فشيئاً من حولنا .. ولكن إستقرار معدتي أهم ..
* لا تجلِسو في المقعد طِوال الرحلة، لا بُد أن تنهضو وتُحرِكو أقدامكُم. رُبما رحلة صغيرة الى الحمام لغسل الوجة والأسنان فيعود الإنتعاش، وتتحرك الدرورة الدمويّة فتتجنبو إنتفاخ الأقدام وتشنُج الرقبة، الذي إن حدث فسيكون عذاباً حقيقياً على الأقل لثلاثة أيام بعد الرحلة.
* الطعام: لا تأكلو وجبات الطائِرة إذا كان الوضع غير مُريح، قرأت مرّةً أن الضغط العالي والجفاف في الطائِرة يُسبب تغييراً في حساسيّة حلمات التذوّق والشم، فنشعُر بأنه سيئ الطعم والرائحة مهما كان مُعداً بإحترافية ..
أخذ معي الكثير من البونبون المُنكّه بالليمون والنعناع وأتجنب تماماً الحلويات بطعم الفراولة والحليب والموز مثلا، فهي تزيد الوضع سوءاً. إكتشفو مايُشعِركم بالغثيان وتجنبوه في أطعمة السفر أن كُنتم تُعانون من معِدة حساسة، حتى وإن كان إضافة حليب على القهو.
* في منتصف الرحلة إذا أستقر جسدكم قليلاً أطلبو كوب شاي دافئ بدون سكر .. أخذ معي أكياس الشاي المفضلة لدي، بابونج او نعناع وربما زعتر، واطلب كوب ماء حار وأستمتع بالشاي المهدئ الذي يعتاده جسدي. فنشعر بنوعاً من الروتين المهدئ للأعصاب، الذي يُعيد التوازن النفسي إلينا.
* القراءة أو مشاهدة فيلم قد تُساعد كثيراً في تشتت الذهن عن المكان والإرهاق وحتى الوقت الطويل للرحلة. أُحب كتب الروايات والمقالات المرحة او الخفيفة في السفر، وأتجنب تماماً الكتب الفلسفية والصعبة او العلمية فهي مُرهقة وتحتاج الى الكثير من التركيز وهذا مايخالف الرغبة الاولى في القراءة وقت السفر .. تهدئة النفس.
لا أُعاني من رُهاب الطيران او الخوف من الجو أو مفهوم السفر الجوي نفسه، ولكن السفر في حد ذاته مُرهق، هذة حقيقة لا نستطيع التغلب عليها، ولكن مانُحاول فعله هو الإستمتاع بالرحلة بقدر المستطاع، دائما أُذكّر نفسي بخططي والأماكن التي أود زيارتها والأوقات الجميلة التي أسعى لتجربتها، أُلهي نفسي يالتقاط الصور للأطفال وأتجول في السوق الحُرّة في إنتظار الطائرة، أُحاول شراء مجلة مثلا فمجلات المطار دائما مُلفتة وقد نجد مجلات لا نصل اليها بسهولة طوال العام.
مُلاحظتي الأخيرة: كُلما تقاربت الفترات بين رحلاتِكم، كُلما إعتادت أجسادكم على تقلُبات السفر ومشقّته. وهذا ما لا حظتُه منذ العام الماضي، حيث يتقبل الجسد التغييرات العجيبة التي تحدث له في السفر الجوّي كُلما تعرّض لها أكثر.
السفر نِعمة.. والتحرُك في ملكُوت الله نوع من شُكر النِعم. الحمد لله.
صديقتي لقد اشتقت اليك كثيرا حقا لقد افتقدتك خلال هذه الفترة كثيرا
ردحذفحمدا لله على سلامتك و شكرا على نصائحك القيمة من الؤكد أني سأحتجها في ركوبي الأول للطائرة
صديقتي الجميلة فاطمة .. اشتقت لكم كثيراً وللمدونة ..
حذفأشكرك على مشاعرك الطيبة وأتمنى لك رحلة ساحرة قريباً تزورين فيها أجمل بقاع الأرض..
^_^