السبت، 27 فبراير 2016

رحلتي لخان الخليلي



رحلتي لخان الخليلي 

أردت بشدة الذهاب لمنطقة الحُسين وخان الخليلي وشارع المُعِز لدين الله الفاطمي بالقاهرة، ولكن فترة وجودي الصغيرة في مِصر أخذها معرض الكتاب كلها مِنّي. كانت الخِطة أن أذهب مع صُحبة من قريباتي لأني لا أعرف المكان جيداً وأتوه بسهولة، فخريطة الأماكن في عقلي لم تتدرب جيداً بسبب أعتياد والدي على توصيلي لكل مكان. كُنت مُتردِدة، أُريد الذهاب وحدي لأخلو بعقلي وروحي ولكِني أحتاج لرِفقة. إستمر الصراع الصغير بداخلي حتى أتت أخر ليلة لي في القاهرة، ولضيق الوقت قررت في الصباح بكل إحباط عدم الذهاب، ولكن في الظهيرة خرج الجانب المجنون بداخلي وقال لي فلنذهب، إنها مدينة ضخمة مليئة بالبشر ووسائل المواصلات "وإلي يسأل مايتهوش". 
إرتديت جاكت شتوي للحماية من تقلُبات شتاء القاهِرة الغرائبي، وحِذاء رياضي للإستعداد التمام للوقوف والمشي لساعات تحسُباً لأي دخول في شارع خاطئ - في القاهرة تعتاد على المشي المُطوّل مهما كان مِشوارك صغيراً-. كانت رحلتي من الثانية ظُهراً إلى الثامِنة مساءً، ولولا طائرتي صباح اليوم التالي لم أكن لأعود مبكراً.. كانت حقاً من أجمل الرحلات الصغيرة التي قُمت بها في حياتي، لوحدي يصحبني عقلي وهدوئي فقط. 
أذكر أخِر مرّة ذهبت فيها لخان الخليلي كانت مع والدي ووالدتي في صيف 2007، أتذكر الألوان المُبهرة والأزقة المليئة بالبشر والسُيّاح وروائح البُهارات العجيبة، وأصوات الباعة تتكلم بكل اللُغات لتجذب الزبائن، ذكرى جميلة تتوهّج بفرح كُلّما حلّت أمام عيني. 
هذة المرّة أنا أكثرُ نُضجاً، وأكثر تقدِيراً لِكُل هذة الكنوز وعِطر التاريخ الذي يتركّز في كل زاوية، كأنما دخلتُ بوابةً سِحرية سحبتني للماضي. مشيت بلا هدف ولا وجهة، أدخل في الأزِقة دون حتى معرفة أين أنا، لا أسأل، فقط أتجول وأُصوّر كُلما تذكرت واتأمل ماحولي.. الأسقُف الجميلة الضخمة والمصابيح العُثمانية الرئعة التي تتلئلئ بِجلال في كل مكان. أسواق الحِرفيين لكل أنواع الأعمال اليدوية التي تتخيلونها، صُناع الخشب والحفر عليه والصناديق المُرصّعة بالفُسيفِساء، والألآت الموسيقيّة كالعود، وصُنّاع الأنية و"كنكة" القهوة النُحاسية المِصريّة الشهيرة، صِناعة الحُلي والمجوهرات والذهب وأنواع كثيرة من الأحجار الكريمة، حقائب وأحذية مشغولة يدوياً من جلد البقر والجِمال في غاية الروعة، المفروشات والملابس والأعشاب النفّاذة التي تتعدد إستخداماتها مابين الطعام والعِلاج، الكثير الكثير من الألوان التي تُبهر العين.
كنت أمشي حتى إنتبهت أن الغروب قد حل وبدأ الجو من حولي يزداد برودة وظلاماً، لا أعلم أين أنا بالظبط، فتحت خريطة تحديد موقعي في جوجل فوجدتُني قد أبتعدتُ كثيراً عن المدخل، بحسرة قُلت لنفسي ربما من الأفضل العودة الأن قبل أن نتأخر، لم أُرتب حقائبي بعد، ولابد من الإستيقاظِ فجراً في اليوم التالي.. سألت بائع عن الشارع الرئيسي وخرجت، كانت المقاهي أمام مسجد الحُسين بدأت تمتلئ بالزوار، الكثير من الطاولات الخارِجية عليها شباب وأُسر وسُيّاح تعلو أصواتهم بالحكاوي والضحِك، وروائح المشاوي والمأكولات الشرقية المختلفة تملئ الدُنيا حولهم. كان جواً يستحق السهر فيه ولكن فلنؤجلها للرحلة القادمة يكُن لنا فيها سِعة أكبر من الوقت؟
كان يوماً مُختلفاً وجميلاً بطريقة لم أشعر بها من قبل، كنت أعتقد أني صديقة نفسي ولكن في هذة الرحلة ذات الساعات القليلة إكتشفت أني لا أُعطيها حقها، لا أُصاحِبها ولا أترك لها العِنان للجنون والمغامرات، رحلة كتلك قلِقتُ فيها وتوترت وأبتسمت وأستعجبت وفتحت فمي إنبهاراً بأشياء لم أرها من قبل. عُدت للشارع نفسه عِدّة مرات لأني أخطأت المدخل أو المخرج، ولكن في قلبي كانت مشاعِر وليدة تتحرك، وكأن جُزءاً جديداً من الثقة في داخلي يفتح عينيه لأول مرّة ويتحرّر.. غِشاء الخوف يتمزّق بِبُطئ وكأن شرنقةً صغيرة تذكرت بعد سنوات من السُبات أنها فراشة ولها جناحان قد نضِجا كِفايةً لتُرفرِف بِهِما.

هذة بعض الصورة التي إلتقطها بسرعة وبِلا إتقان .. لم أُريد أن يأخذ التصوير مني مُتعة النظر والتأمل وحفر الذِكرى في عقلي وعاطفتي.. ربما رحلة قادمة خاصة فقط بالكاميرا والصور.
 




 

هناك تعليقان (2):

  1. زيارة رائعة و الاكثر امتاعا مصاحبتك لنفسك بلا تعليقات و ثرثرات تشتت الافكار التى تتدفق بداخلك فى هذا المكان الرااااااائع موفقة عزيزتى💜💜💜

    ردحذف
    الردود
    1. جربيها .. لا أجمل من صُحبة النفس في السفر. :)

      حذف