السبت، 29 أبريل 2017

علاقات الطمأنينة



في شارعٍ ما حيث الكثير من الطلاب والموظفين يعودون الى منازلهم املين في الهدوء والسلام والدفئ، مر من خلفنا شابان على درّاجة نارية يقودانها بأقصى سرعة وصرخا بأعلى صوتيهما على طول الشارع يأذون كل من مرو بجانبه دون هدف او سبب واضح، لا استطيع وصف لحظة الفزع التي تركاني فيها. هكذا فقط، أذى يجري على ساقين يحصدان كارما سوداء لا ميزان يستطيع وزن ثِقلِها ..
في نفس اليوم وبعد عشر دقائق، كنت احاول قطع طريق أخر وفُجئت بسيارة تأتي من خلفي وكلبان كبيرين من امامي .. تجمدت للحظة لم استطع الحركة، هل أتجنب السيارة المُسرعة من الخلف؟ ام الكلبان الضالّان الذين يركُضان ناحيتي؟ إنعطفت السيارة بعنف لتجاوزي وتوقفت بجانبي وخرج من الشُباك رأس رجل في عمر والدي تقريباً وقال بصوت واضح "ماتخافيش" وضل متوقف الى ان عبر الكلبان واستطعت المُرور.. ثم انصرف في طريقه، واكتشفت انه جارٌ لنا لم أره من قبل، يسكن في البيت المُجاوِر..
موقِفان عجيبان في نفس الساعة وفي نفس المدينة، كلٌ مِنهُما يحمِل طاقة شتّانِ بينهُما ..
الفرق بين إفزاع الناس وطمأنتِهم.. الفرق بين الحِدّة والإحتِرام.. الفرق بين أن تُشعِر الأخر بالخوف والألم او أن تُشعِره بالأمان والتأزر حتى وإن كان غريباً ..
هذا الرجل لم يخرج من سيارته ولم يِصرف الكلاب، فقط توقف للحظات وقال كلمة بسيطة وكررها مرتين ثم ذهب، لكِنُه ترك في قلبي دِفئاً بقِي معي الى اليوم التالي .. بعكس الشابين الذين لم يفعلا سوى عملٍ ضعيف وتافه لكن أذاه وصل لقلبي بكل حدة ..


في كتاب "علاقات خطرة" للطبيب النفسي محمد طه، كان يتحدث عن أن اغلب الأسباب التي تؤدي الى أعتى الأمراض النفسية هي تعامل الاشخاص مع بعضها البعض بمشاعر جارِحة، وان الطفل الذي يتربى على الحُب والإهتمام يكون قوياً في مواجهة العالم الخارجي مهما كان قاسياً.. وان البيئة والأُسرة والأصدِقاء الذين يحنون على بعضِهم ويتأزرون فيما بينهُم تكون صِحتهم النفسيّة قويّة وصامِدة.
اعتى الأمراض النفسية مثل الفُصام سببها ان الشخص تلقى رسائل نفسيّة لسنوات انه بِلا قيمة، وكلُ مايفعلُه خاطئ، او انه في حد ذاتِه غلطة لم يكن يجب ان تُخلق في الكون.. بالطبع لن يتحمل عقله هذا الرفض وسينقلب ضِد نفسِه ليُعاقِبها على هذة الرسائل البشعة حتى وإن كانت خاطِئة، فيُصاب بأمراض عجيبة.

إذا كان لكم اصدِقاء، إرأفو بحالهم، وتقبلو أعذارهم، واجعلو مجالِسكُم مليئة بالإهتمام والإحترام لِكُلّ مشاعِرهم حتى وإن بدت تافهه..
اذا كنت لا تُحب شريكك بصدق، ولن تستطيع الإهتمام به كما يجب في علاقة زوجيّة ناجحة فأطلِقهُ للعالم، لا تستمر في عِلاقة تعلم انك لن تؤتيها حقوقها..
إذا كنت تمتلك صديق مليئ بالعيوب فتناقش معه بحب وإهتمام، إنصحه بصدق، لا تتركه يغوص في عيوب لا يعلم عنها شيئاً فليس كل البشر يستطيعون رؤية انفسهم، ثم تقبله كما هو، بكل زلاته ونواقصه، حتى يقبلك الأخرون بزلّاتِك ونواقِصك التي تعرفها او لا تعرفها.
العلاقات تحتاج إلى الكثير من المجهود والعمل لتنجح وتبقى، وليس في البداية فقط بل طوال الحياة. العلاقات الناجحة ترتوي دائماً بالحب والصدق والطمئنينة وإحترام مشاعر الأخر .. إن كان يود الرحيل فترُكه يرحل، إن حاولت إصلاح الامر ولم ينجح فاتأكد انك سددت كل ديونك ثم أطلِقه يفرد جناحيه، وأفرِد انت ايضاً جناحيك وانطلق وإستكشف عِلاقاتٍ جديدة تسعد بها ..

العلاقت المؤذية قد تكون مثل الشابين المجنونين الذين يصيحان في الناس على طول الطريق، لا يلمسونك لكنهم يؤذوك حتى وإن كنت بعيداً عنهم.. اما العلاقات الناجحة تملئُك بالدفئ ككلِمةِ طمأنينة خرجت من نافذة سيارة مارّة بجانبك دون ان تأخد اي حركة .. تفكرو في كلماتِكُم قبل ان تتلفظو بها، وانظرو إلى عُمق مشاعِركم ومشاعِر الأخرين من حولِكُم وحاوِلو تفهمها وإحترامها حتى ولو بالكلمات.

هذة التدوينة ضلّت اسابيع في المسودات دون أن اجد القدرة النفسيّة على كِتاباتها، حتى تواصلت معي احد متابعات المدونة، "الجميلة سُعاد من الجزائر" وجعلت شغف القراءة يدب في أصابعي من جديد.. شكرا لكل قارئ حتى لو لم يُشارك، مهما كنت أحب الكتابة لنفسي دائماّ، فمازالت مُتعة ان يشاركني الأخرين أفكارهم لها طعم العسل على قلبي ..

هناك تعليقان (2):

  1. كلام جميل فعلا وكلامك يا سيدتي الفاضلة وحده يبعث على الطمأنينة مما أعجبني جدا وشدني سطورك الآتية ( العلاقات تحتاج إلى الكثير من المجهود والعمل لتنجح وتبقى، وليس في البداية فقط بل طوال الحياة. العلاقات الناجحة ترتوي دائماً بالحب والصدق والطمئنينة وإحترام مشاعر الأخر .. إن كان يود الرحيل فترُكه يرحل، إن حاولت إصلاح الامر ولم ينجح فاتأكد انك سددت كل ديونك ثم أطلِقه يفرد جناحيه، وأفرِد انت ايضاً جناحيك وانطلق وإستكشف عِلاقاتٍ جديدة تسعد بها ) وكم من شخص أعرفه تألم لعلاقة صداقة مؤلمة كانا فيها أعز صديقين ثم أراد احدهما الرحيل فرحل ولكن الأخر ما زال قلبه معلقا به ويحاول العودة ولكن بلا فائدة فقد تنكر له بعد هذه العشرة وعاش حياته بسعادة والآخر يتجرع الآحزان ويعيش بكآبة للآسف - شكرا لك ودمت لقرائك دائما آمنة ومطمئنة يا آنسة هاجر - سأحرص على قراءة كتاب ( علاقات خطرة ) بما انه من ترشيحك واختيارك �� - خالد

    ردحذف
    الردود
    1. لم نُخلق في الدنيا لنتعلق بالأشخاص .. الحب شيئ راقي جدا، لكن التعلق يدمر الحب والعلاقة ويدمر الشخص نفسه .. التعلق ينم عن ضعف تقدير السخص لذاته، وهذة ليست إهانه لكنها مشكلة يجب ان يبحث صاحبها عن حل ليتخلص من ألمه ويعيش حياة طيبة وهادئة، فيستطيع ان يُحب من جديد ويبدأ علاقات راقية مرة أُخرى ..

      شكرا جزيلا لقراءتك، دائما ما تُضيف للمدونة أ/ خالد

      حذف