الجمعة، 3 مارس 2017

أولى أيام الربيع




شمس ساطعة، درجة حرارة عِشرينيّة، وسماء صافية .. بدون مُقدمات أصبح الجو دافئاً وكأن الشتاء لم يكن، وكأن صقيع الشهريين الماضيين لم يتواجدا أبداً. حلّ مارس برائِحة الربيع المُبكر. في الصورة شجرة الجوافة الكبيرة في حديقة منزلِنا بدأت تُزهر، وردات بيضاء صغيرات كأميرات تنتظِرُ الربيع لتحيا وتُتحوّل إلى ثمرات في الصيف.
أنقضى الشهرين الماضيين بإزدحامٍ كصندوق دُمى لطفلٍ مدلل لديه كل أنواع الألعاب.. الكثير من ورش العمل، والكُتب والتدريبات والكورسات التي أحضرها أو أُعِدها.. أستيقظ لأركض طوال النهار وسط الصخب والقصص والكثير من البشر، وأعود للمنزل ليلاً جائعةً للنوم وللملابس القُطنية الدافِئة. إنقضى الشهرين سريعاً كغيمة جميلة ومُميّزة، أيامُهما مليئة بالتجارب والمغامرات الصغيرة، والنقاشات مع أُناس أرواحُهم من الجنّة، والعودة لطبخ وجبات صحيّة لأيام العمل الطويلة، المحاضرات التي تفجرت أمامي كأنني لم أتعلم شيئ طوال حياتي، إنجازاتي الصغيرة التي تطُل من قلبي بإستحياء.. بداية رائعة لسنة أنوي بصدق أن تكون من أقوى السنوات في حياتي.

اليوم سأحُدثكم عن المشاعر حيث تعلمت عنها الكثير في الشهرين الماضيين..
منذ بدأت هذة السنة كان الهدف الرئيسي هو "أن أُعيد المجد لقلبي" أي أوازِن بين مشاعري وعقلي.. وأرى مالذي يمكن للحياة ان تبدو عليه عندما نُفسِح المجال للقلب وأفعل ما أشعر به بصدق دون تصنّع..
ما أشعر انه حقيقي إذا هو كذلك، ما أشعر ناحيته بالحب إذا هو يستحق الحب، وما أشعر ناحيته بالتنافر إذاً لا مزيد من دفع نفسي إليه، فقط اتقبله واتركه يرحل مهما حاول الإلتصاق بي.. كان الهدف أن أُصّدق قلبي وأعطيه المجال ليُعبر عن مايريد.
وكانت المفاجئة: تغيير هائل في كل أفكاري ونظام حياتي ونظرتي لكل الأمور .. الحياة بالمشاعر أجمل وأكثر خِفة مما كُنت اتخيل.. كل شيئ بسيط وسهل ويتم حله في ثوانٍ قليلة.. لا تعقيد.
لا أقصد هنا الإقلال من قيمة العقل أبداً، ولكننا كائِنات شعوريّة بالفِطرة، لا يُحركُنا المنطق بل تُحرِكُنا العواطف. فالقلب بِهِ سر الله الأعظم، لا يُخطئ أبداً، وتكمُن الفِطرة فيه بكُل قوّتِها، البرمجة الحقيقيّة من الإله لا برمجة البشر التي تحتمل الكثير من الخطأ أو الصواب.
صدّقو قلوبكم، وثِقو في إحساسكم الداخلي.. لا تُمنطقو كل أحداث حياتكم لأن الحياة بذاتها غير منطقيّة.. رغم دِقة كُل شيئ وُضِع في الكون إلا ان سحر الحياة يكمن في أنها غير مُتنبئٍ بها .. أطلِقو العِنان لقلوبكم، وأضيفي لكل عمل تقومون بِهِ قليلٌ من الروح والعاطفة وستتحول حياتكم لبريقٍ هائل من السعادات الصغيرة.
ماذا لو كنت في مكان مهم مثل لقاء عمل، أو محاضرة دراسيّة وسيترتب عليه تبعات كبيرة ولكنك تريد المغادرة؟ فقط إحترم هذا الشعور الجديد، لا تُنكره ولا ترفضه ولا تلُم نفسك عليه. تقبله لأنه نابع من قلبك أي من جزء منك.. إحترم الشعور وتعاطف معه وحاوره كأنك تُكلم صديقك العزيز، بِلطف وتفاوض "انا اعلم انك شعور حقيقي، لكني احتاج منك الان ان نتعاون لنهاية هذة العمل سوياً وسنذهب بعدها لنفعل مايحلو لنا" القلب لا يريد منا سوى القبول والإحترام، قد يكفي هذا في الوقت الحالي.. ولكن بعد فترة سنحتاج لحسم الموضوع بتحرُكاتٍ خارجيّة.. كإنهاءِ علاقة ثقيلة ومؤلمة وتركِها تمضي، أوالتوقف عن دِراسة مُملة ومُضجرة وبدأ أُخرى محببة تجعلك تشعر بالشغف.. أو تغيير وظيفة تستنفِذُ قواك النفسيّة والجسدية والعمل في أُخرى تريدها منذ زمن ..
القلب دائماً يدُلك على مايُريحك.. لكن الخدعة تكمن في ان نتعرف على حقيقة المشاعر، هل هي صادقة ونابعة من البرمجة الفطريّة؟ ام نابعة من الأفكار المُضلِلة التي إعتدناها حتى صدقنا أنها الحقيقة؟


في فترات الإسترخاء القليلة التي حصلت عليها خلال الفترة الماضية قضيتها في نشاطات هادئة وممتعة كمشاهدة فيلم Trolls .. 
مُبهج ومليئ بالألوان كقِطعة حلوى كبيرة بها كل النكهات دفعة واحدة.. جذبني المعنى الرئيسي لقصته "الكل يمكن أن يكونو سُعداء حتى لو لم يحصلو على معايير السعادة المُحددة التي وضعها المجتمع" 
في مجتمع الـ Bergens اهم شرط لتُصبح سعيدا هو أن تأكل Troll او أكثر وإلا فلن تحصل على السعادة أبداً .. وضل أفراد المجتمع بائسين تملئهم الكئابة ولم يحاولو الحصول على السعادة أبداً لأنهم تقبلو المعنى الوحيد الذي عُرض عليهم منذ الصغر "لا سعادة بدون أكل ترولز"
كما نحن الان.. لا سعادة بدون وظيفة مرموقة، وعلاقات ناجحة، وسيارة فخمة ومنزل ضخم.. كل شيئ له شروط وقيود ونسينا ان السعادة بداخلنا، إما أن نفتح لها الباب فتتنفس وتُغرقنا بعبيرها أو نُغلق عليها بالحِجج والشروط فنختنق بدونها ..
الفيلم رائع ومميز ويحمل الكثير من المعاني الجميلة .. مناسب لسهرة لطيفة تريد فيها الترفيه عن نفسك بدون ارهاق عقليّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق