كل مرة يقترب فيها يوم مولدي، أشعر بأنتعاشة قوية تتملّك روحي وكل حواسي، وأيامي القريبة مِنه.. أشعر بالسعادة أني أستطعت تخطي عاماً أخر بنجاح، وتعلّمت فيه الكثير حتى وأن كانت أشياءً صغيرة داخل غُرفتي ومدرستي ثم جامِعتي وعيادتي. أشعر بحماس كبير للعام الجديد الذي يحمل أحلاماً وخِططاً ملوّنة..
ولكن يوم ميلادي هذة السنة مُختلف، الشعور الذي يرفرف في قلبي كفراشةٍ صغيرةٍ تُحرِكُ شرنقتها آذِنةً بالخروج لم أعتدهُ في السنوات السابقة، هذة السنة سأُكمل عامي الخامس والعشرين. أشعر أنه رقماً كبيراً ذو رهبة رغم أنه ينضح بالشباب والقوّة.
لا أشعر أني كبِرتُ بالمعنى المعتاد الذي يذكُره الناس، ولكن أشعر معه بنوع لذيذ من النُضج والتحرر، والوصول لمرحلة أستطيع أن أُخبِر نفسي بثقة أني أملِكُ نفسي ويمكنني فِعل ما أُريد.
أقول لنفسي بسعادة وإنتصار عجيبين: إنه رُبع قرنٍ يا سادة.. ليس شيئاً يُستهانُ به.
اليوم سأذكر لكم سِتة أشياء تعلمتُها في السنين الخمس والعشرين الماضية والتي تطورت وتغيرت بمرور الأيام وجعلت مني إنسانة أفضل أو مازِلتُ أسعى لأكون أفضل.
1/ أستطيع أن أُسامح الأن:
في مراهقتي إذا أغضبني شخصٌ ما، لم أستطِع أن أنسى لهُ ذلك ابداً .. كان من الصعبِ أن أغفِر او أعفو، ولا أنسى الإسائة بِسهولة ..أعتقد أنه مُرتبط بالإجو القوي في هذة المرحلة من عمر الإنسان .. حيث الكِبرياء في أوجّ عظمتهِ.. كنت أحتفظ في قلبي بكل حجر القاها علي الأعداء منذ سنوات .. فمثلا تعرضت للعنصرية في المدرسة لختلاف جنسيتي عن بقية زملائي ولم أنسى ابدأ أي شخص أذاني بكلِمة ..
لكن الأن لا أعتبر أحداً عدواً .. الأن أنزلتُ الأحجار التي خنقت قلبي إلى الأرض .. لم أعُد أهتم، وأستطعت أن أُسامِح وأن أعفو.. أصبح قلبي خفيفاً كريشة، نقياً كنهرٍ في الجبال لم يمسّه أحد .. ياله من شعور رائع بالسلام والراحة والخفّة ..
2/ الوعي الروحي:
أخر سنتين من حياتي كان الوعي الروحي والنفسي يرتفع بسُرعةٍ مُذهِلة .. كل يوم أتعلم قيمة جديدة، كُلّ كِتاب كان كالكنز الذي صفعني بتنبيهٍ لم أُدرِكهُ من قبل، كل شخص كان كالتمثال الضخم أرى داخِلهُ وخارجهُ كأمثلة يجب علي إتباعُها أو تجنُبِها ..
نُضجٌ وراء نُضج، وأنا أعلم أني لم أكتمل بعد ولن أكتمل أبداً.. فلا يوجد بشريّ يُمكِنه إتمام التعلّم والوعي مادام على قيد الحياة، ولكنه وعي عجيب يجعل حياتي أجمل فأجمل. تُدرك كل يوم لما أنت على هذا الكوكب.. ولما وضِعتُ في هذا المكان، وكيف تتحرك فيه ومنه وإليه.. كل يوم هو إكتشافٌ بحدِ ذاته.
3/ كل شيئ ينقلب:
نشأت في بيئة وأُسرة مُحافِظَين .. كل شيئ كان مُرتباً ومنظماً خِلال حياتي.. الأسئلة الوجوديّه، الدين، المسائل الفقهية، القيم، الأفكار، العالم الأخر،أسباب الأشياء التي نفعلها.. كُل شيئ له جواب وأسباب منطقية أتلقّاها بِعناية حتى تشبّعت بها بتصديق تام. ولكن حينما أقتربتُ من الخامسة والعشرين كلّ عالمي أصبح كقصرٍ مبنيّ من مُكعّبات الأطفال البلاستيكية التي فككهُ طِفلٌ مُستكشف بعد أن بناه والده بعنايه.
عادت كل الأسئلة التي طرحتها في الخامسة والسابعة من عمري تطفو على السطح أمام عيني .. كل شيئ كان منظماً أصبح فوضى عارِمة في شهورٍ قليلة.. صِرتُ أبحث عن كل شيئ بنفسي.. اقرأ وأسمع واتعرّض لكل أنوع الأراء وأُقيّم ما أقتنِع به، حتى ملابسي لم تسلم، تخصصي الذي إخترته عن حُب، علاقاتي التي بنيتها بسنوات من الصبر، هواياتي، ديني، حتى القُرآن الذي كنت أُعطّل عقلي في فِهمه وأترك المعاني تأتيني من شرح الأخرين..
كل شيئ يُصبح سؤالاً من جديد.. وبقدرِ ما أحدث هذا الإنقلاب من فوضى دامت لثلاث سنوات تقريباً إلا أنها تُعيد بناء قصري القديم ولكن من خشبٍ وصُلب، أصبح لهُ جذوراً تحفِر الأرض كجبلٍ يُثبّت جزيرة عائمة في وسط المحيط.
يقين الدُنيا ينجذب إلى قلبي الأن بِهدوء، وقيمي تَبني نفسها كجِبال تُشكِلُها الرياح على مر السنين.
لا تخافو من التزعزُع والشك، فهُما بداية الإيمان الحقيقي واليقين الثابت والعلم الصادق.
4/ المسؤلية:
بعد التخرج من الجامعة تبدأ المسؤلية بالتسلسل إلي حياتك دون أن تشعر. كانت حياتي هادئة جداً، وكمجتمع صغير أعيش فيه كانت أغلب المسؤليات الكبيرة تتجه لأبي، ولكن عند إقتراب الخامسة والعشرين تُصبح المسؤلية تحديك الأعظم..
كيف تتحمل مسؤولية نفسك بصدق دون الإعتماد على الاخرين؟
يتغير ذوقك وأرائك وبِناءً عليها تحتاج لأتخاذ موقع القائد على حياتك أكثر فأكثر. الإعتماد الكُلّي على من حولي يُصبح كأنه عجز فيّ، لا أحد يستطيع أن يعيش بِمُفرده، ولكن حُب الأسرة مع تعلُمِك قيادة مسؤلياتك يكوّنانِ سِمفونيّة جميلة تُعزّز ذاتك الحقيقية يوماً بعد يوم.
ذتك التي هي إمتداد من الله كيف ستُحييها وتُزكيها.
5/ لا تحكم على أحد:
أشياءٌ كثيرة كنت أنتقد الأخرين بسببها منذ عشر سنوات تقريباً، أصبحتُ أفعلها الأن، بل أؤمن بها وأُشجّعُ عليها.. هذا طبيعي تماماً عندما تكون في عُمرٍ صغيرة وخِبرةٍ قليلة، تأخُذ نظرتُك للحياة من مصدر واحد ورأي واحد، وتوجّه له كل ولائِك بِلاَ تفكير..
بعد سنوات تُدرك أن للحياة مِئات العيون يمكن أن تنظُر من خِلالها، ومئات الأراء في القضيّة الواحِدة يُمكِن أن تُناقِشها وتفهمُها.. لستُ على صوابٍ دائما، وإن كنت على صواب فغيرُك قد يكون على صوابٍ أيضاً في نفس الموضوع .. العالم له الكثير من الزوايا .. لا تنتقِدُ أحداً بِشدّه وتُقلل من شأنه أو من تصرُفاته.. فربمى تُدرك وجهة نظرِه في المستقبل وترى بالعيون التي رأى بها وبالأسباب التي أخذ بها ..
العالم مليئ بالفلسفات، والأديان، والمذاهب، والعلوم، والإتجاهات الفكرية والسياسية والروحية.. لا تعتقد انك الوحيد المُصيب.. فنحن لا نعيش في كهفٍ تحت الماء، بل في كون مُمتد يتلئلئ بالإختلاف والتنوّع. تعلم وتعرّف عليه بعيون مُحِبّة لا رافِضه، وإن إنتقدت فحافِظ على إحترامك للبشري الذي يقطُن خلف الفكرة التي ترفضها.
6/ روحي حُرّة:
الحرية تنبع من دواخلنا وليست من الخارج.. سمِعت تلك الجملة ألاف المرات وقرأتها في أغلب الكتب تقريباً بطريقة أو بأُخرى، لكن لم يصلني وعيُها وإستيعابها إلا هذا العام.
إن كنت حُراً في قلبك وفي نفسك، تؤمن أن لا أحد في الكون له سُلطةً عليك إلا الله، فلن يمتلِكُكَ أحداً أبداً.
كونو أحراراً بأنفسكم، مهما كانت قيود المُجتمع والعمل والأُسرة. في دواخِلِكُم أُشعرو كأنكُم طيوراً مُهاجِرة لا قانون يحكمها إلا هدفها وغايتها.
الحُريّة تجعَلُ منّا بشراً.. وتجعلُ من أرواحِنا شيئاً حقيقياً ..ليس زيفاً، وليس تابعاً.
الحريّة تعني الإبداع، والإنطلاق في الكون الواسع لننهل منه عجائبه وغرائبيته.. لا تسجِنو أنفُسَكُم في أفكارٍ مُهترِئه، وعاداتٍ بالية، وعصبيّةً مُنتِنة.. أطلقو العِنان لأرواحِكم لتأخُذكم معاها إلى الأعلى .. فالسجون المعنوية دائما ماتكون تحت الأرض مُظلمة وخانقة، وقاتلة للقلب والعقل.
كل سنة و انتي طيبة ومبدعة يارب تكون السنة دي مليانة عطاء و حب و سلام
ردحذفأمين صديقتي فاطمة .. وأياكِ يارب بكل الصحة والسلام والحُب ..
حذفشكرا ^_^
أبارك لك هذا المدونة البديعة وعمر مديد إن شاء الله.
ردحذفأعجبتني فكرة المراجعة الذاتية ، ومشاركة الدروس والفوائد مع الآخرين.
بعد تصفح مدونتك ، أفكر أنفض الغبار عن مدونتي القديمة
وأتابع الرحلة من جديد
شكرا يا هاجر و بالتوفيق
شكرا لك ابو ماجد ..
حذفرمضان فرصة جميلة للكتابة والخلوة في المدونة، جربها.
اتمنى لك يوما سعيدا .. ^_^