عزيزتي هديل.. عليكِ السلامُ والحُب الآمِن ورحمة الله.. وبعد.
هل لا بُد للرسائل من بدايات؟ لا أعلم، فهذه رسالتي الأولى منذ سنوات طويلة.
أُحب
الورق جدًا، أُحِب الكِتابة بالأقلام الجافة والرصاص، ورغم أن خطي بأقلام
الحِبر السائل أفضل لكني أتجنبه أغلب الوقت لأنها تطبع على الصفحة من الجهة
الأُخرى فلا أستطيع الكِتابة عليها.. لأني ببساطة أُحب أن تمتلئ الصفحة من
الوجهين بالسُطور والكلِمات.. تُذكرني بجوابات أُمي مِن وإلى أخوالي
وصديقاتها عندما كُنت صغيرة.
أنا من مواليد
التسعينيات، عَاصرتُ جزءًا بسيطًا من عالم الجوابات والأشرِطة المُسجّلة
بأصوات الأهل والأصدقاء ليُرسلوها لأحبائِهم عبر القارات.
كُنتُ أُلوّن مع أُمي أوراقًا من دفاتِر المدرسة المُسطّرة لأكتب فيها سلامي وتعبيري الطفوليّ البسيط عن حُبي وشوقي، لأُرسلها داخل أظرُف أمي التي ستُسافر إلى أحبائها. وبعض المرّات كانت تُشجعني على تسجيل أُغنية "القُطة المِشمِشيّة" وأغاني أُخرى تعلمتها في مدرستي، في شريط كاسيت سيذهبُ لجدتي.
كُنت أعيش مع أسرتي خارج مِصر، وكانت تأتينا الرسائل بِصور فوتوغرافيّة لأفراحٍ لم نكُن فيها، ومواليد لم نحضُر سُبوعَهُم، وحفلات تخرّج لم نحتفل بها، وأشخاص توفّو ولم نودِعهُم.
كُنتُ أُلوّن مع أُمي أوراقًا من دفاتِر المدرسة المُسطّرة لأكتب فيها سلامي وتعبيري الطفوليّ البسيط عن حُبي وشوقي، لأُرسلها داخل أظرُف أمي التي ستُسافر إلى أحبائها. وبعض المرّات كانت تُشجعني على تسجيل أُغنية "القُطة المِشمِشيّة" وأغاني أُخرى تعلمتها في مدرستي، في شريط كاسيت سيذهبُ لجدتي.
كُنت أعيش مع أسرتي خارج مِصر، وكانت تأتينا الرسائل بِصور فوتوغرافيّة لأفراحٍ لم نكُن فيها، ومواليد لم نحضُر سُبوعَهُم، وحفلات تخرّج لم نحتفل بها، وأشخاص توفّو ولم نودِعهُم.
ما إن وصلتُ للعاشِرة
تقريبًا كان عالم الهاتف والاتصالات الدولية أسهل، وبعدها بثلاث سنوات دخل
الإنترنت منزلنا ولو بشكل مُتقطّع، عبر سِلك الهاتف الأرضي، أو عبر بطاقاتٍ
صغيرة يتم شحنُها لتُعطينا ساعات نتحدث بها مع من نُريد. أظُنها انقرضت
تمامًا مُنذ سنوات. لكن بدخولِه مَحى آخِر طريق لقدوم الجوابات وأشرِطة
الكاسيت والصور المطبوعة المُرفقة مع الرسائل إلى منزلنا.
أنهيت
اليوم كتاب "حليب أسود" لإليف شافاق، إنه رائع.. تجربة مُذهِلة ومُلهِمة
لكُل امرأة. لقد جسّدت فيه كل الأفكار والتذبذُب الذي تواجِهُه الفتاة في
العِشرينيات تقريبًا وما بعدها.. الصِراعات العجيبة بين فِطرتك وتكوينك
الجسدي الذي لم تختاريه، وعقلِك وأفكارك التي كونتِها بنفسك وباختيارك،
ومجتمعك وأسرتك وطموحاتهم لك.
كانت تحكي عن
اكتئاب ما بعد الولادة الذي أصابها بعد إنجاب أول أطفالها، وفي نهاية
الكِتاب قالت إن هذِه المرحلة الصعبة والمؤلِمة من حياتها هي السبب في
اتزان روحها بعدها. وإنها هي من تسببت لنفسِها بهذه الفترة من الاكتئاب
الحاد بسبب أحداث فعلتها لسنواتِ دون أن تدري أن لها آثارًا فظيعة ستنسكِبُ
عليها فجأة في أكثر فترةٍ من حياتها بُعدًا عن الحُزن.. ألا وهي إنجاب
طِفلتها الأولى.
كانت لسنوات تُحاول قمع جُزء
منها ومن شخصيتها لأنه يتعارض مع طُموحِها وأحلامِها، قمعتهُ للدرجة التي
سببت لها أعراضًا جسدية غرائبية تعجّب منها طبيبُها. وفي المُقابل كانت
تُعطي جُزءًا آخر مِنها حُريّة مُطلقة كديكتاتور حكم دولة كان يحلُم
بالاستيلاء عليها لعقود. فكانت النتيجة انقلاب روحها عليها، فالروح حُرّةً
يا هديل لا تتحمّل السُجون حتى ولو كُنّا نحنُ سجّانيها.
أحيانًا
أفعلُ ذلك بنفسي دون أن أشعر. أفكاري التي اكتسبتُها وكوّنتها، أسمح لها
أن تؤذي جانِبًا خفيًا مني وُلِدَ معي.. أتحداه وأخنُقه بمعتقداتي الجديدة
التي جمعتُها من الخارج، بينما هو جُزءٌ داخليٌ حقيقيٌ منّي لم يتم تعديلُه
أو تلويثُه.
أن أكون على طبيعتي لهو شيء جديدٌ
تمامًا عليّ أُحاول اكتشافه، وتجرِبتهُ الآن. رُغم أني لسنواتٍ طويلة
اعتقدتُ أني حُرّة، أفعل ما أُريد وأُعطي نفسي حقها، أو تم تلقيني وبرمجتي
على أني حُرّة، إلا أني كُنت مُخطئة. مهما كُنّا أحرارًا سنكتشِفُ أن
طائِرًا بداخِلنا محرومٌ من الطيران كباقي الأجنحة التي نمنحها لبقية
طيورنا.
إنه كتاب رائع صديقتي أقترح عليكِ قراءته.. سيفتحُ لقلبِك سِردابًا غريبًا لم يكن لك دِراية بوجوده داخلك.
المُرسِلة: هاجر.. لا تعرفينها ولا تعرِفُكِ إلا من كِتاباتك.
تم نشره في نون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق